فصل: مطلب كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَذْبَةٌ طَوِيلَةٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **


 مطلب يُسَنُّ إرْخَاءُ طَرَفِ الْعِمَامَةِ

وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى‏:‏ وَيَحْسُنُ أَنْ يُرْخِيَ الذُّؤَابَةَ خَلْفَهُ وَلَوْ شِبْرًا أَوْ أَدْنَى عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ ‏(‏وَيَحْسُنُ‏)‏ بِمَعْنَى يُسَنُّ وَيُنْدَبُ لِلرَّجُلِ ‏(‏أَنْ يُرْخِيَ أَيْ يُرْسِلَ ‏(‏الذُّؤَابَةَ‏)‏ بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ ‏.‏

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ وَالذُّؤَابَةُ مِنْ الشَّعْرِ وَالْمُرَادُ‏:‏ هُنَا طَرَفُ الْعِمَامَةِ المرخي سُمِّيَ ذُؤَابَةً مَجَازًا ‏(‏خَلْفَهُ‏)‏ أَيْ الْمُعْتَمِّ ‏.‏

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رضي الله عنه‏:‏ وَإِرْخَاءُ الذُّؤَابَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ مَعْرُوفٌ فِي السُّنَّةِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ المرخي مِنْ الذُّؤَابَةِ ‏(‏شِبْرًا‏)‏ لَمَا رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا رضي الله عنه اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَأَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ شِبْرًا ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يُرْخِهَا شِبْرًا بَلْ ‏(‏أَدْنَى‏)‏ أَيْ أَقَلَّ مِنْ شِبْرٍ ‏(‏عَلَى نَصٍّ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَنْصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه فِي إرْخَاءِ الذُّؤَابَةِ خَلْفَهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي التَّقْدِيرِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى ‏.‏

وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ عَمَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رضي الله عنه بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ‏,‏ وَأَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَقَالَ هَكَذَا فَاعْتَمَّ فَإِنَّهُ أَعْرَبُ وَأَجْمَلُ ‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ‏:‏ وَإِطَالَتُهَا كَثِيرًا مِنْ الْإِسْبَالِ ‏.‏

وَقَالَ الْآجُرِّيُّ‏:‏ وَإِنْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَحَسَنٌ ‏.‏

وَفِي الْآدَابِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَرْخَاهَا خَلْفَهُ قَدْرَ ذِرَاعٍ ‏.‏

وَعَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ ‏.‏

وَرُبَّمَا أَفْهَمَ الْمَتْنَ الِاقْتِصَارَ عَلَى شِبْرٍ فَأَقَلَّ ‏.‏

وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ ‏"‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اعْتَمَّ سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - زَادَ أَبُو دَاوُدَ عَلَى الْمِنْبَرِ انْتَهَى - وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ ‏"‏ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ ‏"‏ زَادَ النَّسَائِيُّ ‏"‏ قَدْ أَرْخَى طَرَفَ الْعَذْبَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اعْتَمَّ أَرْخَى عِمَامَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا ‏"‏ عَلَيْكُمْ بِالْعَمَائِمِ فَإِنَّهَا سِيمَا الْمَلَائِكَةِ وَأَرْخُوهَا خَلْفَ ظُهُورِكُمْ ‏"‏ ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُوَلِّي وَالِيًا حَتَّى يُعَمِّمَهُ وَيُرْخِيَ لَهَا عَذْبَةً مِنْ جَانِبِ الْأَيْمَنِ نَحْوَ الْأُذُنِ ‏"‏ ‏.‏

قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي الْهَدْيِ‏:‏ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَتَلَحَّى بِالْعِمَامَةِ تَحْتَ الْحَنَكِ ‏.‏

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بِلَالٍ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ ‏"‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب صِفَةُ عِمَامَتِهِ عليه السلام

تَنْبِيهَاتٌ‏:‏ الْأَوَّلُ‏:‏ قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ -‏:‏ لَمْ تَكُنْ عِمَامَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْكَبِيرَةِ الَّتِي تُؤْذِي حَامِلَهَا وَتُضْعِفُهُ وَتَجْعَلُهُ عُرْضَةً لِلْآفَاتِ كَمَا يُشَاهَدُ مِنْ حَالِ أَصْحَابِهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ‏,‏ وَلَا بِالصَّغِيرَةِ الَّتِي تَقْصُرُ عَنْ وِقَايَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ‏,‏ بَلْ كَانَتْ وَسَطًا بَيْنَ ذَلِكَ ‏.‏

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ‏:‏ لَا يَحْضُرُنِي لِطُولِ عِمَامَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْرٌ مَحْدُودٌ ‏.‏

وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا ‏.‏

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي مِقْدَارِ الْعِمَامَةِ الشَّرِيفَةِ حَدِيثٌ ثُمَّ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدِيرُ كَوْرَ الْعِمَامَةِ وَقَالَ‏:‏ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ عِدَّةَ أَذْرُعٍ ‏,‏ وَالظَّاهِرُ‏:‏ أَنَّهَا كَانَتْ نَحْوَ الْعَشَرَةِ أَوْ فَوْقَهَا بِيَسِيرٍ ‏.‏

وَقَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ‏:‏ رَأَيْت مِنْ نَسَبٍ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ عِمَامَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ فِي السَّفَرِ بَيْضَاءَ ‏,‏ وَفِي الْحَضَرِ سَوْدَاءَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَقَالَ‏:‏ هَذَا شَيْءٌ مَا عَلِمْنَاهُ ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي كِتَابِهِ الْمَدْخَلِ‏:‏ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالرِّدَاءِ وَالْعِمَامَةِ وَالْعَذْبَةِ ‏,‏ وَكَانَ الرِّدَاءُ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَنِصْفًا وَنَحْوَهَا ‏,‏ وَالْعِمَامَةُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا يُخْرِجُونَ مِنْهَا التلحية وَالْعَذْبَةَ ‏,‏ وَالْبَاقِي عِمَامَةٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ ‏.‏

الثَّانِي قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فِي الْهَدْيِ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ الْعِمَامَةَ فَوْقَ الْقَلَنْسُوَةِ ‏,‏ وَيَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ ‏,‏ وَيَلْبَسُ الْعِمَامَةَ بِغَيْرِ قَلَنْسُوَةٍ ‏,‏ وَكَانَ إذَا اعْتَمَّ أَرْخَى طَرَفَ عِمَامَتِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ ‏.‏

وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ ذُؤَابَةً ‏,‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَذْبَةَ لَمْ يَكُنْ يُرْخِيهَا دَائِمًا بَيْنَ كَتِفَيْهِ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ أُهْبَةُ الْقِتَالِ ‏,‏ وَالْمِغْفَرُ عَلَى رَأْسِهِ فَلَبِسَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مَا يُنَاسِبُهُ ‏.‏

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّسَائِيَّ زَادَ قَدْ أَرْخَى طَرَفَ الْعَذْبَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ‏,‏ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ دُخُولِهِ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ثُمَّ أَزَالَهُ وَلَبِسَ الْعِمَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ ‏,‏ فَحَكَى كُلٌّ مِنْهُمَا مَا رَآهُ ‏,‏ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ حُرَيْثٍ أَنَّهُ خَطَبَ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ دُخُولِهِ ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يُجْمَعُ بِأَنَّ الْعِمَامَةَ كَانَتْ مَلْفُوفَةً فَوْقَ الْمِغْفَرِ أَوْ كَانَتْ تَحْتَ الْمِغْفَرِ وِقَايَةً لِرَأْسِهِ مِنْ صَدَى الْحَدِيدِ ‏.‏

 مطلب بَيَانِ سَبَبِ إرْخَاءِ الْعَذْبَةِ

الثَّالِثُ‏:‏ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ‏:‏ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ رضي الله عنه يَذْكُرُ فِي سَبَبِ الذُّؤَابَةِ شَيْئًا بَدِيعًا ‏,‏ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا اتَّخَذَهَا صَبِيحَةَ الْمَنَامِ الَّذِي رَآهُ بِالْمَدِينَةِ لَمَّا رَأَى رَبَّ الْعِزَّةِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَ اخْتَصَمَ الْمَلَأُ الْأَعْلَى‏؟‏ قُلْت‏:‏ لَا أَدْرِي فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَعَلِمْت مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ‏,‏ الْحَدِيثَ ‏,‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ سَأَلَ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَصَحَّحَهُ ‏.‏

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ‏:‏ فَمِنْ تِلْكَ الْغَدَاةِ أَرْخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذُّؤَابَةَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَذَا مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي تُنْكِرُهُ أَلْسِنَةُ الْجُهَّالِ وَقُلُوبُهُمْ ‏,‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فِي شَأْنِ الذُّؤَابَةِ لِغَيْرِهِ ‏.‏

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ ابْنُ الْحَافِظِ أَبِي الْفُضَيْلِ الْعِرَاقِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَفِي تَذْكِرَتِهِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ‏:‏ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ رِحْلَةٌ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّجَسُّمُ لِأَنَّ الْكَفَّ يُقَالُ فِيهِ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَقِّ فِي الْيَدِ فَهُمْ مِنْ بَيْنِ مُتَأَوِّلٍ وَسَاكِتٍ عَنْ التَّأْوِيلِ مَعَ نَفْيِ الظَّاهِرِ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَيْفَ مَا كَانَ فَهُوَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمِنَّةٌ جَسِيمَةٌ حَلَّتْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَقَابَلَهَا بِإِكْرَامِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الَّذِي حَصَلَتْ فِيهِ تِلْكَ النِّعْمَةُ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَرَأَيْت بَعْضَ مَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ ‏,‏ وَأَفْسَدَ سَرِيرَتَهُ ‏,‏ وَتَشَدَّقَ وَصَالَ ‏,‏ وَلَقْلَقَ فِي مَقَالَتِهِ وَقَالَ هَذَا عَلَى اعْتِقَادِهِ ‏,‏ وَأَخَذَ فِي الْحَطِّ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَتِلْمِيذِهِ ‏,‏ وَزَعَمَ أَنَّهُ نَصَرَ الْحَقَّ فِي انْتِقَادِهِ ‏,‏ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ هَوَى فِي مَهَاوِي هَوَاهُ ‏,‏ وَلَهُ وَلَهُمَا مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ ‏,‏ وَحِينَئِذٍ تَنْكَشِفُ السُّتُورُ ‏,‏ وَيَظْهَرُ الْمَسْتُورُ ‏.‏

وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَخُوضُ فِي حَقِّ مَنْ سَلَفَ ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ مَقَالَتُهُ أَقْرَبَ إلَى الضَّلَالِ وَالتَّلَفِ ‏,‏ لِأَنَّ النَّاقِدَ بَصِيرٌ ‏.‏

وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ‏.‏

 مطلب كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَذْبَةٌ طَوِيلَةٌ

الْخَامِسُ‏:‏ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَهُ كَمَا فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ نَقْلًا عَنْ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَذْبَةٌ طَوِيلَةٌ نَازِلَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَتَارَةً عَلَى كَتِفِهِ ‏,‏ وَأَنَّهُ مَا فَارَقَ الْعَذْبَةَ قَطُّ ‏,‏ وَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ خَالِفُوا الْيَهُودَ وَلَا تُصَمِّمُوا فَإِنَّ تَصْمِيمَ الْعَمَائِمِ مِنْ زِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏.‏

وَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عِمَامَةٍ صَمَّاءَ ‏.‏

قَالَ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ‏:‏ قَالَ الشَّيْخُ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ طَوِيلَةٌ لَمْ أَرَهُ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَحَادِيثِ إرْخَائِهَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ وَتَارَةً عَلَى كَتِفِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ لُبْسِهِ لَكِنْ مِنْ إلْبَاسِهِ ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ خَالِفُوا الْيَهُودَ وَحَدِيثُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عِمَامَةٍ صَمَّاءَ فَلَا أَصْلَ لَهُمَا ‏.‏

وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ‏:‏ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْعَذْبَةَ سُنَّةٌ فَتَرَكَهَا اسْتِنْكَافًا عَنْهَا أَثِمَ ‏,‏ أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ فَلَا ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا كَرَاهِيَةُ الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ ‏.‏

بَلْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ ‏,‏ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ وَشَارِحُ الْمُنْتَهَى م ص كَالْمُصَنِّفِ ‏,‏ وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ مَسْحِ الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ لِذَلِكَ قَالُوا‏:‏ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعِمَامَةُ مُحَنَّكَةً وَلَا ذَاتَ ذُؤَابَةٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِي نَزْعِهَا كَالْكُتْلَةِ ‏;‏ وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏,‏ وَقَدْ نَهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ ‏.‏

قَالَ الشَّيْخُ‏:‏ الْمَحْكِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ ‏,‏ وَلَمْ يَمْنَعْ هُوَ يَعْنِي الشَّيْخَ الْمَسْحَ ‏.‏

قَالَ‏:‏ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ كَسَفَرِ النُّزْهَةِ ‏.‏

قَالَ تِلْمِيذُهُ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ كَذَا قَالَ ‏,‏ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا‏:‏ وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَنْ جَوَّزَ الْمَسْحَ إبَاحَةُ لُبْسِهَا ‏,‏ وَهُوَ مُتَّجَهٌ ‏;‏ لِأَنَّهُ فِعْلُ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ‏.‏

وَتُحْمَلُ كَرَاهَةُ السَّلَفِ عَلَى الْحَاجَةِ إلَى التَّحْنِيكِ لِمُجَاهِدٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏,‏ مَعَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَالْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَالثَّوْرِيِّ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَفِي الصِّحَّةِ أَيْ صِحَّةِ الْكَرَاهَةِ عَمَّنْ ذُكِرَ نَظَرٌ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَفِي الْآدَابِ‏:‏ لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ انْتَهَى ‏.‏

وَالْحَاصِلُ‏:‏ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُ التَّحَنُّكِ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالذُّؤَابَةُ ‏,‏ فَإِنْ فُقِدَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ مَكْرُوهَةً ‏.‏

هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمِيعِ عُلَمَائِنَا اعْتِبَارُ كَوْنِ الذُّؤَابَةِ مِنْ الْعِمَامَةِ لَا مِنْ غَيْرِهَا ‏.‏

وَفِي فَتَاوَى الْحَافِظِ السَّخَاوِيِّ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَسَبَ إلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ‏:‏ كَانَتْ الْعَذْبَةُ فِي السَّفَرِ مِنْ غَيْرِ الْعِمَامَةِ وَفِي الْحَضَرِ مِنْهَا ‏.‏

قَالَ السَّخَاوِيُّ‏:‏ وَهَذَا شَيْءٌ مَا عَلِمْنَاهُ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَأَظُنُّ أَنَّ شَيْخَنَا التَّغْلَبِيَّ رحمه الله تعالى قَالَ لِي‏:‏ إنْ كَانَتْ الْعَذْبَةُ مِنْ غَيْرِ الْعِمَامَةِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا الْمَسْحُ وَزَالَتْ الْكَرَاهَةُ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ قَالَ هَذَا فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لَجَوَّزْنَا الْمَسْحَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

 مطلب يُسَنُّ تَحْنِيكُ الْعِمَامَةِ

السَّادِسُ‏:‏ قَدْ عَلِمْت أَنَّ التحنك مَسْنُونٌ ‏,‏ وَهُوَ التَّلَحِّي قَالَ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ‏:‏ التَّلَحِّي سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ ‏.‏

وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ الْكُبْرَى‏:‏ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ اسْتِحْبَابُ الذُّؤَابَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ كالتحنك ‏.‏

قَالَ الْحَجَّاوِيُّ‏:‏ يَعْنِي يُجْمَعُ بَيْنَ التَّحَنُّكِ وَالذُّؤَابَةِ انْتَهَى ‏.‏

وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ‏:‏ الْعِمَامَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنْ تَكُونَ مُحَنَّكَةً تَحْتَ الذَّقْنِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ بِذُؤَابَةٍ بِلَا حَنْكٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ ‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَا ذُؤَابَةَ لَهَا وَلَا حَنَكَ فَفِيهَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ ‏.‏

قَالَ وَالْعَمَائِمُ الْمُكَلَّبَةُ بِالْكِلَابِ تُشْبِهُ الْمُحَنَّكَةَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْكَلَالِيبَ يُمْسِكُهَا كَمَا يُمْسِكُ الْحَنَكَ لِلْعِمَامَةِ ‏,‏ وَكَانَ الصَّحَابَةُ يتحنكون الْعَمَائِمَ ‏,‏ فَإِذَا رَكِبُوا الْخَيْلَ ‏,‏ وَطَرَدُوهَا لَمْ تَسْقُطْ عَمَائِمُهُمْ ‏.‏

وَكَذَلِكَ كَانَ أَهْلُ الثُّغُورِ بِالشَّامِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ‏.‏

وَكَرِهَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ لُبْسَ الْعَمَائِمِ الْمُتَقَطِّعَةِ ‏,‏ وَهِيَ الَّتِي لَا يَكُونُ لَهَا مَا يُمْسِكُهَا تَحْتَ الذَّقْنِ ‏.‏

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ‏:‏ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ لِقَوْمٍ لَا يُدِيرُونَ عَمَائِمَهُمْ تَحْتَ أَذْقَانِهِمْ ‏,‏ وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا الفاسقية ‏.‏

وَلَكِنْ رَخَّصَ فِيهَا إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرُهُ ‏.‏

وَرَوَى أَنَّ أَبْنَاءَ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا يَعْتَمُّونَ كَذَلِكَ ‏.‏

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ‏:‏ وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا حَالُ أَهْلِ الْجِهَادِ الْمُسْتَعِدِّينَ لَهُ ‏,‏ وَهَذَا حَالُ مَنْ لَبِسَ مِنْ أَهْلِهِ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِمْسَاكُهَا بِالسُّيُورِ وَنَحْوِهَا كَالْمُحَنَّكَةِ انْتَهَى ‏.‏

وَمُقْتَضَى ذِكْرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالْعَالِمِ ‏,‏ فَإِنْ فَعَلَهَا غَيْرُهُ فَيَتَوَجَّهُ دُخُولُهَا فِي لِبَاسِ الشُّهْرَةِ ‏,‏ وَلَا اعْتِبَارَ بِعُرْفٍ حَادِثٍ ‏,‏ بَلْ بِعُرْفٍ قَدِيمٍ ‏.‏

وَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه أَدْرَكْت فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعِينَ مُحَنَّكًا وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ ائْتُمِنَ عَلَى بَيْتِ مَالٍ لَكَانَ بِهِ أَمِنًا ‏.‏

وَفِي لَفْظٍ لَوْ اُسْتُسْقِيَ بِهِمْ الْقَطْرُ لَسُقُوا ‏.‏

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْمَدْخَلِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى الاقتعاط يَعْنِي الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ ‏,‏ وَأَنَّهُ مِنْ لُبْسَةِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ‏:‏ إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ لِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَ السَّلَفِ الصَّالِحِ ‏.‏

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ ‏.‏

اقتعاط الْعَمَائِمِ هُوَ التَّعْمِيمُ دُونَ حَنَكٍ ‏,‏ وَهُوَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ ‏,‏ وَقَدْ شَاعَتْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ ‏.‏

وَنَظَرَ مُجَاهِدٌ يَوْمًا إلَى رَجُلٍ اعْتَمَّ وَلَمْ يَحْتَنِكْ فَقَالَ‏:‏ اقتعاط كاقتعاط الشَّيْطَانِ ‏,‏ تِلْكَ عِمَّةُ الشَّيْطَانِ وَعَمَائِمُ قَوْمِ لُوطٍ ‏.‏

وَفِي الْمُخْتَصَرِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ الْعِمَامَةِ يعتمها الرَّجُلُ ‏,‏ وَلَا يَجْعَلُهَا تَحْتَ حَلْقِهِ ‏,‏ فَأَنْكَرَهَا ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ إنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْقِبْطِ ‏.‏

قِيلَ لَهُ‏:‏ فَإِنْ صَلَّى بِهَا كَذَلِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا بَأْسَ وَلَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ ‏.‏

وَقَالَ أَشْهَبُ‏:‏ كَانَ مَالِكٌ رحمه الله تعالى إذَا اعْتَمَّ جَعَلَ مِنْهَا تَحْتَ ذَقْنِهِ وَأَسْدَلَ طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ ‏.‏

 مطلب‏:‏ صِفَةُ الْعِمَامَةِ الْمَسْنُونَةِ

وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ‏:‏ وَسُنَّةُ الْعِمَامَةِ بَعْدَ فِعْلِهَا أَنْ يُرْخِيَ طَرَفَهَا وَيَتَحَنَّكَ بِهِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ طَرَفٍ وَلَا تَحْنِيكٍ فَذَلِكَ يُكْرَهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ‏,‏ وَالْأَوْلَى أَنْ يُدْخِلَهَا تَحْتَ حَنَكِهِ فَإِنَّهَا تَقِي الْعُنُقَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَهُوَ أَثْبَتُ لَهَا عِنْدَ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَقَالَ هَذَا عُلَمَاؤُنَا ‏.‏

وَقَالَ فِي الْهَدْيِ‏:‏ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَتَحَلَّى بِالْعِمَامَةِ تَحْتَ الْحَنَكِ انْتَهَى ‏.‏

وَقَدْ أَطْنَبَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ لِاسْتِحْبَابِ التَّحَنُّكِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فِعْلِ سُنَنٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ تَنَاوُلِهَا بِالْيَمِينِ ‏,‏ وَالتَّسْمِيَةِ وَالذِّكْرِ الْوَارِدِ إنْ كَانَ مِمَّا يَلْبَسُ جَدِيدًا ‏,‏ وَامْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي صِفَةِ التَّعْمِيمِ مِنْ فِعْلِ التَّحْنِيكِ وَالْعَذْبَةِ وَتَصْغِيرِ الْعِمَامَةِ بِقَدْرِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوِهِمَا يُخْرِجُونَ مِنْهَا التَّحْنِيكَ وَالْعَذْبَةَ فَإِنْ زَادَ فِي الْعِمَامَةِ قَلِيلًا لِأَجْلِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَيُتَسَامَحُ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ رحمه الله ‏.‏

وَفِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النَّهْيُ عَنْ الاقتعاط مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ ‏.‏

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوْلِهِمْ‏:‏ مَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ سَبْعُونَ مُحَنَّكًا ‏,‏ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَذْبَةَ دُونَ تَحْنِيكٍ يَخْرُجُ مِنْهَا عَنْ الْمَكْرُوهِ ‏;‏ لِأَنَّ وَصْفَهُمْ بِالتَّحْنِيكِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ امْتَازُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ ‏,‏ وَإِلَّا فَمَا كَانَ لِوَصْفِهِمْ بِالتَّحْنِيكِ فَائِدَةٌ ‏;‏ إذْ الْكُلُّ مُجْتَمِعُونَ فِيهِ ‏.‏

وَقَدْ نَصَّ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ عَنْ بَعْضِ سَادَاتِهِ إنَّمَا الْمَكْرُوهُ فِي الْعِمَامَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِهِمَا فَإِنْ كَانَا مَعًا فَهُوَ الْكَمَالُ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْمَكْرُوهِ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَهَذَا ظَاهِرُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَصْحَابِنَا فِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْعِمَامَةِ مُحَنَّكَةً أَوْ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ ‏,‏ وَاجْتِمَاعُ الشَّيْئَيْنِ أَكْمَلُ كَمَا قَدَّمْنَا ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب كَيْفِيَّةِ نَقْضِ الْعِمَامَةِ

السَّابِعُ‏:‏ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُجَدِّدَ الْعِمَامَةَ فَعَلَ كَيْفَ أَحَبَّ فِي نَقْضِهَا ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَفِي كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ وَيُلْقِيَهَا عَلَى الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ‏,‏ لَكِنْ يَنْقُضُهَا كَمَا لَفَّهَا ‏,‏ لِأَنَّهُ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعِمَامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ‏,‏ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَتِهَا ‏,‏ كَذَا ذَكَرُوا ‏,‏ وَاسْتَحْسَنَهُ مِنَّا الْحَجَّاوِيُّ ‏,‏ قَالَ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عَوْفٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ ‏.‏

قَالَ الْحَجَّاوِيُّ‏:‏ وَلِأَنَّهُ إذَا نَقَضَهَا كَوْرًا كَوْرًا سَلِمَتْ مِنْ الِالْتِوَاءِ وَالْفَتْلِ انْتَهَى ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ‏:‏ فَعَلَيْك أَنْ تَتَعَمَّمَ قَائِمًا وَتَتَسَرْوَلَ قَاعِدًا انْتَهَى ‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَايَةِ‏:‏ يُكْرَهُ لُبْسُ الْخُفِّ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ قَائِمًا لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى انْتَهَى ‏.‏

وَفِي قَلَائِدِ الْعِقْيَانِ فِيمَا يُورِثُ الْفَقْرَ وَالنِّسْيَانَ لِلْحَافِظِ بُرْهَانِ الدِّينِ النَّاجِيِّ أَنَّ التَّعْمِيمَ قَاعِدًا وَالتَّسَرْوُلَ قَائِمًا يُورِثُ الْفَقْرَ وَالنِّسْيَانَ ‏.‏

وَلَمْ يَذْكُرْ عُلَمَاؤُنَا كَرَاهَةَ التَّعْمِيمِ قَاعِدًا ‏,‏ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى عَدَمُهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي بَيَانِ مَكَانِ إرْسَالِ الْعَذْبَةِ

الثَّامِنُ‏:‏ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَكَانِ إرْسَالِ الْعَذْبَةِ عَلَى أَقْوَالٍ‏:‏ الْأَوَّلُ إرْسَالُهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا اعْتَمَّ أَرْخَى عِمَامَتَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ‏.‏

وَكَذَا رَوَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه فَعَلَ كَذَلِكَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا ‏.‏

وَكَذَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ عَمَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَدَلَهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي ‏.‏

وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ أَنَّهُ لَمَّا عَمَّمَهُ أَرْسَلَ الْعَذْبَةَ مِنْ خَلْفِهِ ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَرْخَيَا الْعَذْبَةَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِمَا وَمِنْ خَلْفِهِمَا ‏.‏

قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رحمه الله‏:‏ إنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِمَّنْ أَدْرَكَهُ يُرْخِيهَا مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ إلَّا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ‏:‏ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَمَلَ التَّابِعِينَ عَلَى إرْسَالِ الْعَذْبَةِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِمْ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّ إرْسَالَ الذُّؤَابَةِ بَيْنَ الْيَدَيْنِ بِدْعَةٌ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ النُّصُوصِ وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ فِي جَعْلِهَا مِنْ قُدَّامٍ لِكَوْنِهِ مِنْ سُنَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِمْ ‏.‏

وَقَوْلُهُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ‏,‏ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّظَرِ لِطَرَفَيْهَا حَيْثُ يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا خَلْفَهُ ‏,‏ وَالْآخَرُ بَيْنَ يَدَيْهِ ‏,‏ وَيُحْتَمَلُ إرْسَالُ الطَّرَفِ الْوَاحِدِ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَدُّهُ مِنْ خَلْفِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ الطَّرَفُ الْوَاحِدُ بَعْضُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَعْضُهُ خَلْفَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرُونَ وَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرَّةً ‏,‏ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ فِي السِّيرَةِ ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ إرْسَالُهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ‏(‏الذُّؤَابَةِ‏)‏ ‏.‏

فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُوَلِّي وَالِيًا حَتَّى يُعَمِّمَهُ بِعِمَامَةٍ وَيُرْخِيَ لَهَا عَذْبَةً مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ نَحْوَ الْأُذُنِ وَتَقَدَّمَ ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ إرْسَالُهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَهَذَا عَلَيْهِ عَمَلُ كَثِيرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ ‏.‏

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْمُخْتَارَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا إلَى خَيْبَرَ فَعَمَّمَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ثُمَّ أَرْسَلَهَا وَرَاءَهُ ‏,‏ أَوْ قَالَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى ‏,‏ هَكَذَا بِالشَّكِّ ‏.‏

وَقَدْ سُئِلَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ مُسْتَنَدِ الصُّوفِيَّةِ فِي إرْخَاءِ الْعَذْبَةِ عَلَى الشِّمَالِ ‏.‏

فَأَجَابَ‏:‏ أَمَّا مُسْتَنَدُ الصُّوفِيَّةِ فِي إرْخَاءِ الْعَذْبَةِ عَلَى الشِّمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ بَيَانُهُ ‏;‏ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ ‏,‏ فَمَنْ اصْطَلَحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ‏,‏ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ شِعَارًا لَهُمْ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ إرْسَالُهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ الْأَشْهَرُ الصَّحِيحُ ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُرْخِيهَا إلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ ‏,‏ وَإِلَى الْكَعْبَيْنِ ‏.‏

وَقَدْ رَوَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَنْ خَطَّابٍ الْحِمْصِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ زِيَادٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ‏:‏ رَأَيْت أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبْهَرَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا الْمُنْبَثِّ وَفَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَرَوْحَ بْنَ سَافِرٍ أَوْ يَسَارَ بْنَ رَوْحٍ رضي الله عنهم يَلْبَسُونَ الْعَمَائِمَ وَيُرْخُونَهَا مِنْ خَلْفِهِمْ وَثِيَابِهِمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ ‏.‏

قَالَ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ‏:‏ يُحَرَّرُ ‏,‏ هَلْ الْمُرَادُ الثِّيَابُ إلَى الْكَعْبَيْنِ أَوْ الْعَذْبَةُ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

فَإِنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لَهُمَا بَلْ كَوْنُهُ رَاجِعًا إلَى الثِّيَابِ أَقْرَبُ ‏;‏ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب نُقِلَ عَنْ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ تَكْفِيرُ مَنْ اسْتَقْبَحَ تَحْنِيكَ الْعِمَامَةِ

التَّاسِعُ‏:‏ ذَكَرَ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ شَيْخِ شُيُوخِهِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الْهُمَامِ أَحَدِ أَئِمَّةِ السَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَايَرَةِ‏:‏ ‏"‏ مَنْ اسْتَقْبَحَ مِنْ آخَرَ جَعْلَ بَعْضِ الْعِمَامَةِ تَحْتَ حَلْقِهِ كَفَرَ ‏"‏ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ ‏,‏ وَلَكِنَّهُ إلَى الْحَقِّ قَرِيبٌ ‏.‏

وَقَدْ تَذَكَّرْت هُنَا حِكَايَةً لَا بَأْسَ بِذَكَرِهَا نَقَلْتهَا مِنْ طَبَقَاتِ الْعُلَيْمِيِّ الْمُسَمَّاةِ بِالْمَقْصِدِ الْأَحْمَدِ فِي تَرَاجِمِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ‏,‏ ذَكَرَهَا فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيِّ الْخُرَيْشِيِّ الْحَنْبَلِيِّ ‏,‏ وَقَدْ تَرْجَمَهُ أَيْضًا الشَّمْسُ الدَّاوُودِيُّ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ ارْتَحَلَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَاشْتَغَلَ وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى بَرَعَ وَتَمَيَّزَ وَتَأَهَّلَ لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى وَأُجِيزَ بِذَلِكَ مِنْ شُيُوخِهِ ‏,‏ ثُمَّ قَدِمَ إلَى الْقُدْسِ وَأَقَامَ بِهَا زَمَانًا مُلَازِمًا عَلَى الدُّرُوسِ ‏,‏ وَكَانَ عَالِمًا عَامِلًا مُتَقَلِّلًا مِنْ الدُّنْيَا ‏,‏ كَثِيرَ التَّعَبُّدِ ‏,‏ طَوِيلَ التَّهَجُّدِ ‏,‏ انْتَفَعَ بِهِ أَهْلُ الْقُدْسِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ نَابُلُسَ ‏,‏ وَكَانَ لَا يَجْتَمِعُ بِالْأُمَرَاءِ ‏,‏ وَلَا بِالْقُضَاةِ مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِهِ ‏,‏ وَكَانَ إمَامَ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ وَمُفْتِيهِمْ ‏,‏ وَحَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اللُّطْفِ وَحْشَةٌ وَمُنَافَرَةٌ ‏;‏ لِأَنَّ الْخُرَيْشِيَّ لَمَّا رَأَى اسْتِحْبَابَ الْعَذْبَةِ وَالتَّلَحِّي أَرْخَى لَهُ عَذْبَةً وَتَلَحَّى ‏,‏ وَكَانَ لَهُ تَلَامِذَةٌ وَمُحِبُّونَ يَعْتَقِدُونَهُ وَيَقْتَدُونَ بِهِ ‏,‏ فَاقْتَدَوْا بِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى أَوْلَادِ الْمَشَايِخِ ‏,‏ وَصَارَ بَعْضُ السُّفْلِ يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَمِنْهُمْ ‏,‏ وَيَأْمُرُونَهُمْ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ بِهِمْ ‏,‏ فَأَفْتَى ابْنُ أَبِي اللُّطْفِ بِأَنَّ التَّلَحِّيَ بِدْعَةٌ وَيُعَزَّرُ مُتَعَاطِيهِ ‏,‏ فَتَسَلَّطَ السُّفْلُ وَالسُّفَهَاءُ عَلَى المتلحيين يُؤْذُونَهُمْ وَيُؤْذُونَ الشَّيْخَ ‏,‏ وَيَقُولُونَ‏:‏ هُوَ مُبْتَدِعٌ ‏,‏ وَسَعَوْا فِي مَنْعِهِ مِنْ الْوَعْظِ ‏,‏ فَتَحَمَّلَ الْأَذَى وَصَبَرَ فَلَمْ يَمْضِ إلَّا مُدَّةً يَسِيرَةً حَتَّى مَاتَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي اللُّطْفِ بِدَاءِ السَّكْتَةِ ‏,‏ فَقَالَ النَّاسُ‏:‏ هَذَا مِنْ بَرَكَةِ الْخُرَيْشِيِّ وَإِنْكَارِهِ عَلَى السُّنَّةِ ‏.‏

فَانْظُرْ - رَحِمَك اللَّهُ - بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ ‏,‏ وَاجْلُ ذِكْرَكَ بِالتَّدَبُّرِ وَالِافْتِكَارِ ‏,‏ وَانْظُرْ فِي حِكْمَةِ الْحَكِيمِ الْقَهَّارِ ‏,‏ كَيْف جَازَى اللُّطْفِيِّ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ كَمَا هِيَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَهْلِ مِلَلِهِ ‏.‏

فَإِنَّهُ لَمَّا مَنَعَ الْخُرَيْشِيُّ مِنْ نَشْرِ أَعْلَامِ سُنَّةِ الْمُصْطَفَى ‏,‏ وَسَكَّتَهُ عَنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَتَفَوَّهَ هُوَ بِأَذِيَّةِ هَذَا الْوَلِيِّ أَسْكَتَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَفَوَّهَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ‏.‏

وَلَمَّا أَمَاتَ سُنَّةَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم أَمَاتَهُ اللَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ ‏.‏

وَلَمَّا طَوَى بِفَتْوَاهُ أَعْلَامَ هَذِهِ السُّنَّةِ وَدَفَنَهَا جَفَّتْ يَدُهُ وَطُوِيَ ذِكْرُهُ ‏,‏ وَدُفِنَ جِسْمُهُ فِي صَدْعٍ مِنْ الْأَرْضِ جَزَاءً وِفَاقًا ‏.‏

عِيَاذًا بِك اللَّهُ مِنْ مَكْرِك ‏.‏

وَالْتِجَاءً إلَيْك مِنْ التَّجَرِّي عَلَيْك ‏.‏

وَاعْتِصَامًا بِك مِنْ تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ ‏.‏

يَا ذَا الْعَفْوِ وَالْأَفْضَالِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ ‏.‏

وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِعُرْفٍ حَادِثٍ بَلْ بِعُرْفٍ قَدِيمٍ وَاَللَّهُ هُوَ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ ‏.‏

 مطلب الاقتعاط مَنْهِيٌّ عَنْهُ

الْعَاشِرُ‏:‏ الاقتعاط هُوَ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ فَقَافٍ سَاكِنَةٍ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقُ مَكْسُورَةٍ فَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ ‏,‏ أَنْ يَتَعَمَّمَ مِنْ غَيْرِ تَحْنِيكٍ كَمَا تَقَدَّمَ ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ‏:‏ فِيهِ أَيْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الاقتعاط هُوَ أَنْ يَعْتَمَّ بِالْعِمَامَةِ ‏,‏ وَلَا يَجْعَلَ مِنْهَا شَيْئًا تَحْتَ ذَقْنِهِ ‏.‏

وَيُقَالُ لِلْعِمَامَةِ الْمُقْعَطَةُ ‏,‏ وَفِي الْقَامُوسِ‏:‏ اقتعط تَعَمَّمَ وَلَمْ يَدِرْ تَحْتَ الْحَنَكِ وَكَمِكْنَسَةِ الْعِمَامَةِ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا‏:‏ الْعِمَامَةُ الْمُحَنَّكَةُ هِيَ الَّتِي يُدَارُ مِنْهَا تَحْتَ الْحَنَكِ كَوْرٌ أَوْ كَوْرَانِ بِفَتْحِ الْكَافِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا ذُؤَابَةٌ أَوْ لَا ‏,‏ وَهَذِهِ عِمَامَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم ‏,‏ وَهِيَ أَكْثَرُ سِتْرًا وَيَشُقُّ نَزْعُهَا ‏;‏ فَلِذَلِكَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا ‏,‏ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب حُكْمِ لُبْسِ الطَّيْلَسَانِ

الْحَادِي عَشْرَ‏:‏ لَمْ يَسْتَحِبَّ عُلَمَاؤُنَا لُبْسَ الطَّيْلَسَانِ بَلْ كَرِهُوا لُبْسَ الْمُقَوَّرِ مِنْهُ ‏.‏

قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى‏:‏ وَكُرِهَ لِرَجُلٍ لُبْسُ الطَّيْلَسَانِ ‏,‏ وَهُوَ الْمُقَوَّرُ ‏,‏ وَفِي الْإِنْصَافِ‏:‏ يُكْرَهُ الطَّيْلَسَانُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ‏.‏

قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ‏:‏ وَكُرِهَ الطَّيْلَسَانُ وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ ‏.‏

زَادَ فِي التَّلْخِيصِ‏:‏ وَهُوَ الْمُقَوَّرُ ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ لَا يُكْرَهُ يَلِ يُبَاحُ ‏,‏ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ ‏.‏

وَقَالَ فِي الْآدَابِ‏:‏ قِيلَ يُكْرَهُ الْمُقَوَّرُ وَالْمُدَوَّرُ ‏,‏ وَقِيلَ وَغَيْرُهُمَا غَيْرُ الْمُرَبَّعِ ‏.‏

قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ‏:‏ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْمُقَوَّرُ دُونَ سَائِرِهَا ‏;‏ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ لُبْسَةَ رُهْبَانِ الْمَلَكِيِّينَ مِنْ النَّصَارَى ‏.‏

قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ‏:‏ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبِسَهُ يَعْنِي الطَّيْلَسَانَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ‏,‏ بَلْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ‏:‏ يَخْرُجُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ ‏.‏

وَرَأَى أَنَسٌ جَمَاعَةً عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ ‏.‏

فَقَالَ‏:‏ مَا أَشْبَهَهُمْ بِيَهُودِ خَيْبَرَ ‏,‏ وَمِنْ هُنَا كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ ‏.‏

وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ‏.‏

وَفِي التِّرْمِذِيِّ‏:‏ لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ مُتَقَنِّعًا بِالْهَاجِرَةِ فَإِنَّمَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ السَّاعَةَ لِيَخْتَفِيَ بِذَلِكَ لِلْحَاجَةِ مِنْ حَرٍّ وَنَحْوِهِ انْتَهَى ‏.‏

وَعُورِضَ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَابْنُ سَعْدٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ وَالْخَطِيبِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ قَتَادَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكْثِرُ التَّقَنُّعَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَسَهْلٍ ‏"‏ الْقِنَاعُ ‏"‏ وَفِي لَفْظٍ ‏"‏ مَا رَأَيْت أَدْوَمَ قِنَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ زَادَ أَنَسٌ ‏"‏ حَتَّى كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ أَوْ دَهَّانٍ ‏"‏ وَلَفْظُ الْخَطِيبِ ‏"‏ كَأَنَّ مِلْحَفَتَهُ مِلْحَفَةُ زَيَّاتٍ ‏"‏ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِاعْتِبَارِ طُرُقِهِ وَشَوَاهِدِهِ حَسَنٌ ‏,‏ وَعُورِضَ قَوْلُهُ رحمه الله رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ‏"‏ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِحَضْرَتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهم ‏.‏

فَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طُرُقٍ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ‏:‏ إنَّ رِجْلِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْحَوْضِ ‏,‏ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الْمِنْبَرِ لَمُتَوَافِرُونَ وَأَبُو بَكْرٍ مُقَنَّعٌ فِي الْقَوْمِ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ تَعَالَى خَيَّرَهُ رَبُّهُ أَنْ يَعِيشَ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَعِيشَ فِيهَا ‏,‏ وَأَنْ يَأْكُلَ مِنْ الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ‏,‏ وَبَيْن لِقَاءِ رَبِّهِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ رَبِّهِ ‏,‏ فَلَمْ يَفْطِنْ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ لِمَا قَالَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ فَانْتَحَبَ بَاكِيًا ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ‏:‏ خَرَجْنَا مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَمْشِي مُتَلَثِّمًا بِبُرْدٍ قَطَرِيٍّ ‏.‏

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ فِتْنَةً وَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ ‏,‏ وَفِي لَفْظٍ بِرِدَائِهِ فَقَالَ‏:‏ هَذَا يَوْمئِذٍ عَلَى الْهُدَى فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ رضي الله عنه ‏.‏

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ الْعَلَاءِ قَالَ‏:‏ رَأَيْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما يُصَلِّي ‏,‏ وَهُوَ مُقَنَّعٌ ‏.‏

وَفِي شُعَبِ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ قَالَ‏:‏ جِئْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فَرَأَيْت عَلَيْهِ طَيْلَسَانًا ‏,‏ فَقُلْت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا شَيْءٌ أَحْدَثْته أَمْ رَأَيْت عَلَيْهِ النَّاسَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا بَلْ رَأَيْت عَلَيْهِ النَّاسَ ‏.‏

وَأَقُولُ‏:‏ الْمُرَادُ بِالطَّيْلَسَانِ الطَّيْلَسَانُ الْمُقَوَّرُ كَمَا صَحَّحَهُ عُلَمَاؤُنَا ‏,‏ وَهَذَا وَاضِحٌ ‏,‏ وَدَلِيلُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ‏:‏ يَكُونُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَاجٌ وَسَيْفٌ ‏.‏

قَالَ فِي النِّهَايَةِ‏:‏ السَّاجُ الطَّيْلَسَانُ الْأَخْضَرُ ‏,‏ وَقِيلَ هُوَ الطَّيْلَسَانُ الْمُقَوَّرُ يُنْسَجُ كَذَلِكَ ‏.‏

وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ‏:‏ لَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الطَّيْلَسَانِ ‏,‏ وَهُوَ الْمُقَوَّرُ الطَّرَفَيْنِ الْمَكْفُوفُ الْجَانِبَيْنِ الْمُلَفَّقُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ‏,‏ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُ وَهُوَ لِبَاسُ الْيَهُودِ قَدِيمًا ‏,‏ وَالْعَجَمِ أَيْضًا وَالْعَرَبُ تُسَمِّيه سَاجًا ‏.‏

وَيُقَالُ‏:‏ إنَّ أَوَّلَ مَنْ لَبِسَهُ مِنْ الْعَرَبِ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ‏,‏ وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُهُ ‏.‏

وَفِي الْقَامُوسِ‏:‏ الطَّيْلَسُ وَالطَّيْلَسَانُ مُثَلَّثَةُ اللَّامِ عَنْ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ مُعَرَّبٌ أَصْلُهُ تالسان ‏.‏

وَيُقَالُ فِي الشَّتْمِ ‏.‏

يَا ابْنَ الطَّيْلَسَانِ أَيْ إنَّك أَعْجَمِيٌّ ‏,‏ وَالْجَمْعُ طَيَالِسَةٌ ‏.‏

وَفِي لُغَةِ الْإِقْنَاعِ‏:‏ الطَّيْلَسَانُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ ‏.‏

قَالَ الْفَارَابِيُّ‏:‏ هُوَ فيعلان - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ - وَبَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْعَيْنِ لُغَةٌ ‏.‏

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ‏:‏ وَلَمْ يَأْتِ اسْمُ فيعلان - بِكَسْرِ الْعَيْنِ بَلْ بِالضَّمِّ - مِثْل الْخَيْزُرَانُ وَالْجَمْعُ طَيَالِسَةٌ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

‏(‏تَتِمَّةٌ‏)‏ ذَكَرَ الثَّعَالِبِيُّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ أَنَّ أَصْغَرَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ يُقَالُ لَهُ البخنق ‏,‏ وَهُوَ خِرْقَةٌ تُغَطِّي مَا أَقْبَلَ مِنْ الرَّأْسِ ‏,‏ وَمَا أَدْبَرَ ‏,‏ ثُمَّ الْغَفَّارَةُ فَوْقَهَا وَدُونَ الْخِمَارِ ‏,‏ ثُمَّ الْخِمَارُ أَكْبَرُ مِنْهَا ‏,‏ ثُمَّ الْمُقَنَّعَةُ ‏,‏ ثُمَّ النَّصِيفُ وَهُوَ كَالنِّصْفِ مِنْ الرِّدَاءِ ‏,‏ وَأَكْبَرُ مِنْ الْمُقَنَّعَةِ ‏,‏ ثُمَّ المعجر ‏,‏ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْمُقَنَّعَةِ وَأَصْغَرُ مِنْ الرِّدَاءِ ‏,‏ ثُمَّ الْقِنَاعُ وَالرِّدَاءُ ‏.‏

 مطلب يُسَنُّ تَنْظِيفُ الثِّيَابِ وَطَيُّهَا

وَيَحْسُنُ تَنْظِيفُ الثِّيَابِ وَطَيُّهَا وَيُكْرَهُ مَعَ طَوْلِ الْغِنَى لُبْسُك الرَّدِي ‏(‏وَيَحْسُنُ‏)‏ أَيْ يُسَنُّ وَيُنْدَبُ ‏(‏تَنْظِيفُ‏)‏ أَيْ إزَالَةُ وَسَخِ ‏(‏الثِّيَابِ‏)‏ كُلِّهَا مِنْ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَإِزَارٍ وَسَرَاوِيلَ وَعِمَامَةٍ وَغَيْرِهَا ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ‏:‏ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ الْوَسَخِ وَالْعَرَقِ ‏,‏ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَغَيْرِهِ ‏,‏ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَا يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ ‏"‏ وَرَأَى رَجُلًا شُعْثًا فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ مَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسْكِنُ بِهِ رَأْسَهُ ‏"‏ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْخَلَّالُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه ‏.‏

وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه بِأَنَّ الثَّوْبَ إذَا اتَّسَخَ تَقَطَّعَ ‏.‏

وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ‏:‏ مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْت أَحَدًا أَنْظَفَ ثَوْبًا وَلَا أَشَدَّ تَعَاهُدًا لِنَفْسِهِ فِي شَارِبِهِ وَشَعْرِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَلَا أَنْقَى ثَوْبًا ‏,‏ وَأَشَدَّهُ بَيَاضًا مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنه ‏.‏

وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ وَالثِّيَابُ النَّقِيَّةُ ‏.‏

وَرَوَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ مِنْ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ نَقَاءُ ثَوْبِهِ ‏.‏

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ ‏"‏ إنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ‏"‏‏:‏ نَظَافَةُ اللَّهِ تَعَالَى كِنَايَةٌ عَنْ تَنَزُّهِهِ مِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ ‏,‏ وَتَعَالِيهِ فِي ذَاتِهِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ ‏,‏ وَحُبُّهُ النَّظَافَةَ مِنْ غَيْرِهِ كِنَايَةٌ عَنْ خُلُوصِ الْعَقِيدَةِ وَنَفْيِ الشِّرْكِ وَمُجَانَبَةِ الْأَهْوَاءِ ‏,‏ ثُمَّ نَظَافَةُ الْقَلْبِ عَنْ الْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَأَمْثَالِهَا ‏.‏

ثُمَّ نَظَافَةُ الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ عَنْ الْحَرَامِ وَالشَّبَهِ ‏,‏ ثُمَّ نَظَافَةُ الظَّاهِرِ لِمُلَابَسَةِ الْعِبَادَاتِ ‏,‏ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ ‏"‏ نَظِّفُوا أَفْوَاهَكُمْ فَإِنَّهَا طُرُقُ الْقُرْآنِ ‏"‏ أَيْ صُونُوهَا عَنْ اللَّغْوِ وَالْفُحْشِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَأَمْثَالِهَا ‏,‏ وَعَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَالْقَاذُورَاتِ ‏,‏ وَالْحَثِّ عَلَى تَطْهِيرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ بِالسِّوَاكِ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَحْسُنُ أَيْضًا بِمَعْنَى يُسَنُّ ‏(‏طَيُّهَا‏)‏ أَيْ الثِّيَابِ ‏,‏ وَهُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ فَهَاءٍ فَأَلِفِ تَأْنِيثٍ مِنْ طَوَى الصَّحِيفَةَ يَطْوِيهَا‏:‏ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَسْتَعْمِلَهَا الشَّيْطَانُ بِاللُّبْسِ وَغَيْرِهِ ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَنْظُومَتِهِ فِي حَقِّ الشَّيْطَانِ‏:‏ وَيَدْخُلُ الْبَيْتَ يَنَامُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنٍ سَاءَ مِنْ سَفِيهِ عَلَى ثِيَابٍ لَمْ تَكُنْ مَطْوِيَّةً إنْ لَمْ يُسَمَّ خَالِقُ الْبَرِّيَّةِ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ ‏"‏ طَيُّ الثَّوْبِ رَاحَتُهُ ‏"‏ ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ ‏.‏

وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ‏:‏ أَطِعْنِي لَيْلًا أُجَمِّلْك نَهَارًا ‏.‏

وَأَوْرَدَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ جَابِرٍ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ‏,‏ قَالَ الْمَنَاوِيُّ أَيْ رَاحَتُهُ مِنْ لُبْسِ الشَّيْطَانِ ‏,‏ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَطْوِيًّا ‏.‏

فَيَنْبَغِي ذَلِكَ ‏.‏

ثُمَّ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَا يَصِحُّ ‏.‏

انْتَهَى ‏,‏ وَذَكَرَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ مَا يُقَوِّيهِ ‏,‏ وَفِي التَّمْيِيزِ‏:‏ طَيُّ اللِّبَاسِ يَزِيدُ فِي زِيِّهِ ‏.‏

وَرَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْبَاءِ بَعْدَ الْيَاءِ مِنْ الطِّيبِ ‏,‏ وَهُوَ مَنْدُوبٌ أَيْضًا ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيَتَطَيَّبُ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ بِمَا ظَهَرَ رِيحُهُ ‏,‏ وَخَفِيَ لَوْنُهُ ‏,‏ وَالْمَرْأَةُ عَكْسُهُ ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي آدَابِ النِّسَاءِ‏:‏ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِمَّا يَنُمُّ عَلَيْهَا ‏{‏وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ‏}‏ الْآيَةَ ‏.‏

وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ‏,‏ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ‏"‏ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ‏,‏ وَالنَّسَائِيِّ فِي سُنَنِهِ ‏,‏ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ‏:‏ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ‏.‏

 مطلب زِيَادَةِ لَفْظَةِ ثَلَاثٍ فِي حَدِيثِ حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ

وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ زِيَادَةِ ثَلَاثٍ فَقَالَ السَّخَاوِيُّ‏:‏ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْإِحْيَاءِ ‏,‏ وَفِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ مِنْ الْكَشَّافِ وَمَا رَأَيْتُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ مَزِيدِ التَّفْتِيشِ ‏,‏ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ لَفْظَةُ ثَلَاثٍ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَزِيَادَتُهَا مُحِيلَةٌ لِلْمَعْنَى ‏,‏ فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ الدُّنْيَا انْتَهَى ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَفِي مَوْضُوعَاتٍ عَلَى الْقَارِئِ بَعْدَ إيرَادِهِ الْحَدِيثَ مَا نَصُّهُ‏:‏ وَأَمَّا زِيَادَةُ ثَلَاثٍ الْوَاقِعَةُ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَا أَصْلَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ ‏,‏ وَإِنْ تَكَلَّفَ الْإِمَامُ ابْنُ فُورَكٍ فِي تَوْجِيهِهَا انْتَهَى ‏.‏

وَهَذَا يَعْنِي التَّطَيُّبَ بِالطِّيبِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَلَيْسَ بِمُرَادٍ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ بَلْ الطَّيُّ أَوْلَى ‏,‏ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ ‏.‏